التيه أول جزء من خماسية مدن الملح لـ عبد الرحمن منيف. تدور أحداثها في منطقتين ”وادي العيون“ و ”حران“ والتغييرات التي يمر بها أهل هذه المناطق أثر اكتشاف البترول.
لا شك أن منيف حاول أن يعطي القراء قصة ملحمية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية مختلفة ومهمة. فهذه الرواية تتحدث عن النوع ”الآخر“ من الاستعمار الأمريكي المرتبط بالرأس المالية، وتبعات استغلالهم (واستعبادهم) للعرب لأخذ البترول منهم. كما أنه نجح في تصوير فترة تاريخية انتقالية مهمة، وجعلنا نعيش لحظات قربت لنا الوضع الاجتماعي والسياسي خلال تلك الفترة.
بعض الشخصيات كانت مميزة كعادة شخصيات منيف، مثل أم الخوش تلك العجوز التي تنتظر عودة ابنها سنينا طويلة، وابن الراشد الذي له أبعاد مختلفة في شخصيته، ومتعب الهذال الذي يحذرنا من البداية عن التغييرات التي ستحصل بأهل بلده. لكن البعض الآخر من الشخصيات إما أنها تُنسى، أو أنها أشبه بشخصيات كاريكاتورية لا تمت للواقع بصلة. مثل شخصية ”الأمير“ ومن حوله، وكرههم للـ ”البدو“ المبالغ فيه، والأجهزة الإلكترونية (الراديو والتلفون) التي تأخذ عقل الأمير لشدة تعلقه بها؟؟
ورسالة منيف العامة لا أعتقد أنني أتفق معها. فكرة أن العرب كان حالهم أفضل بكثير قبل اكتشاف البترول، وأن حالتهم تدهورت أكثر فأكثر بعد اكتشافه. لا شك أن أي تغيير كبير له سلبيات وله إيجابيات، لكن هنا منيف اقتصر على السلبيات وبالغ فيها، فأصبحت الرواية غير متزنة في نظري.
لازلت أعتقد أن عبد الرحمن منيف من أفضل الأدباء والمفكرين العرب، ولازلت أريد الاستمرار في قراءة خماسية مدن الملح، والروايات الأخرى التي لم أقرأها.